عودة “الفك المفترس” إلى الشاشة بعد 50 عامًا.. ملحمة الرعب البحري

“تحتاج إلى مركب أكبر”… جملة خالدة أعادت تعريف سينما الرعب

في مشهد محفور في ذاكرة عشاق السينما، يُحذّر الصياد كوينت الشريف برودي قائلاً: “تحتاج إلى مركب أكبر”، وهو ما مثّل لحظة مفصلية في فيلم “Jaws” (الفك المفترس)، أحد أعظم أفلام الرعب والإثارة في تاريخ هوليوود. وبعد مرور نصف قرن على عرضه الأول في مايو 1975، يعود الفيلم الأسطوري إلى صالات العرض في احتفاء خاص، يُعيد إلى الواجهة لحظة انطلاق سينما الوحوش البحرية بشكلها الحديث.

“جوز”: بداية عصر جديد في أفلام الرعب

لم يكن “الفك المفترس” مجرّد فيلم ناجح، بل ظاهرة سينمائية أحدثت ثورة في مفاهيم الترقب، والخطر الكامن، والصراع بين الإنسان والمجهول. ومنذ إطلاقه، شهدت السينما أكثر من 46 فيلمًا دارت حول سمك القرش، لكن أياً منها لم يُضاهِ وقع الفيلم الأول الذي أخرجه الشاب الواعد آنذاك ستيفن سبيلبرغ.

خيارات تمثيلية لم تكن الأولى

اللافت أن طاقم العمل لم يكن هو الخيار الأول للمخرج أو الشركة المنتجة. فقد طُرحت أسماء مثل شارلتون هيستون وروبرت دوفال لتأدية أدوار البطولة. لكن الاختيار النهائي وقع على روبرت شو بدور كوينت، وروي شنايدر في دور الشريف برودي، وريتشارد درايفوس كعالِم البحار هوبر، وهو ما أثبت أنه مثالي، بالنظر إلى الكيمياء التي جمعت الثلاثة.

من الرواية إلى السيناريو: حذف ذكي وتكثيف الصراع

استند الفيلم إلى رواية بيتر بنشلي، لكن السيناريو الذي شارك في كتابته كارل غوتليب وبنشلي وروبرت شو حذف الكثير من التفاصيل الثانوية مثل العلاقة العاطفية بين زوجة برودي وهوبر، والفساد السياسي للمحافظ، وركّز بدلاً من ذلك على محور وحيد: الصراع مع الوحش.

مشهد المعركة النهائية.. توتر يبلغ ذروته

يرتكز القسم الأخير من الفيلم على مشهد مطاردات مكثف فوق المركب بين أبطال القصة والقرش العملاق. التوتر، الذي بُني على مدار الفيلم، ينفجر في تلك اللحظات، مدعومًا بموسيقى جون ويليامز الشهيرة، التي أصبحت أيقونة في عالم الموسيقى التصويرية.

رمزية الشخصيات: بين الواقعية والمجاز السياسي

تتميز الشخصيات الثلاث بتباينها الواضح: كوينت هو الرجل الممزق بخبرة الماضي، هوبر هو العالم المنطقي، أما برودي فيمثل صوت التحذير الذي لا يُصغى إليه. وهو ما يعيد إلى الأذهان شخصية الدكتور ستوكمان في مسرحية “عدو الشعب” للكاتب النرويجي هنريك إبسن، الذي واجه رفضًا جماعيًا عند تنبيهه إلى كارثة بيئية.

سبيلبرغ يرسخ بصمته السينمائية

أثبت سبيلبرغ براعته في بناء التوتر، ليس فقط من خلال الوحش، بل عبر القلق المتراكم في نفوس الشخصيات. مشهد المغيب الذي يجمع برودي وهوبر على قارب النجاة، بعد تفجير القرش، يُذكّر بنهاية فيلمه السابق “مبارزة” (Duel)، في تماثل دلالي واضح بين الشاحنة والقرش كوحوش رمزية.

“جوز” لا يزال مرعبًا بعد نصف قرن

حقق الفيلم عند إطلاقه 478 مليون دولار، وكان أول “Blockbuster” صيفي في التاريخ، ومهد الطريق لتجارب سينمائية لاحقة شكلت هوية هوليوود الجديدة. وعلى الرغم من مرور 50 عامًا، ما يزال الفيلم يحتفظ بقوته السينمائية وتأثيره الثقافي.

خاتمة

“الفك المفترس” ليس مجرد فيلم عن سمكة قرش مفترسة، بل هو درس في الإخراج، والبناء الدرامي، ورسم الشخصيات، والرمزية السياسية والاجتماعية. واليوم، ومع عودته إلى صالات السينما، يُتاح لجيل جديد من المشاهدين أن يخوض التجربة التي أرعبت الملايين، ولا تزال.